الولايات المتحدة اليوم غارقة في دين يتجاوز 37 تريليون دولار، وهو رقم هائل يجعل الحكومة الأمريكية تنفق جزءًا ضخمًا من أموال الضرائب فقط على دفع فوائد هذا الدين بدلًا من تحسين الخدمات العامة أو الاستثمار في المستقبل.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة في السنوات الأخيرة، تضاعفت الضغوط على الموازنة، حتى وصل الأمر إلى طرح حلول غير تقليدية مثل إعادة تقييم الذهب، والاعتماد على احتياطي بتكوين، وإصدار عملات مستقرة جديدة.
فماذا تعني هذه الخطط؟
وهل يمكن أن تغيّر مستقبل الاقتصاد الأمريكي — أم تفتح الباب لأزمة أكبر؟
أصل المشكلة: دين يتضخم بلا حدود
الحكومة الأمريكية تجني نحو 5 تريليونات دولار سنويًا من الضرائب، لكنها تنفق ما يقارب 7 تريليونات. الفارق يُسدّ بالاقتراض، أي نحو 2 تريليون دولار إضافية كل عام.
ومع تراكم الديون، أصبحت خدمة الدين (الفوائد وحدها) أكبر بند نموًا في الإنفاق الفيدرالي.
هذا الوضع يُشبه دائرة مفرغة:
المزيد من الديون → المزيد من الفوائد → المزيد من الحاجة للاقتراض.
والحل التقليدي كان دائمًا طباعة النقود عبر الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يضعف قيمة الدولار ويؤجج التضخم.
ترامب كان دوما قلقا بشأن هذا الدين لأنه سيكون مسؤولا عنه لمدة أربع سنوات قادمة، وربما مدة أطول لو استطاع تغيير الدستور لصالحه ،حصل على فترة رئاسة ثالثة.
الخطة الأولى: إعادة تقييم الذهب
أمريكا تملك 261 مليون أونصة من الذهب، مسجّلة في دفاتر الحكومة بسعر رمزي: 42 دولارًا للأونصة.
أي أن قيمة الذهب الرسمية لا تتعدى 11 مليار دولار.
المقترح الذي تتم مناقشته الآن: ماذا لو أعيد تقييم الذهب بالسعر القريب من السوق — مثل 3,300 دولار للأونصة — فستقفز القيمة الدفترية إلى نحو 860 مليار دولار.
هذا الفارق المحاسبي وحده يخلق 849 مليار دولار من “الأصول الجديدة” التي يمكن للحكومة أن تقدمها كضمان للاحتياطي الفيدرالي مقابل سيولة تُضَخّ في الاقتصاد أو تُستخدم لتقليص الدين.
هذا ليس خيالًا، فقد حدث من قبل عام 1934 حين رفع الرئيس روزفلت السعر الرسمي للذهب من 20 إلى 35 دولارًا للأونصة، ما أتاح للحكومة وقتها تمويل خطط التعافي بعد الكساد الكبير.
الخطة الثانية: احتياطي بتكوين
في مارس 2025، وقّع الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا لإنشاء احتياطي استراتيجي من البتكوين.
الفكرة هنا ليست شراء بتكوين جديد، بل استخدام الكميات المصادَرة من الجرائم السيبرانية. التقديرات تتراوح بين 30 ألفًا و200 ألف بتكوين موجودة بالفعل لدى الخزانة.
بدلًا من بيعها كما في السابق، ستحتفظ بها الحكومة على المدى الطويل وتستخدمها كأصل يُعاد تقييمه، تمامًا مثل الذهب.
فإذا سُعّر البتكوين عند 100 ألف دولار للعملة، يمكن رهنه مقابل مئات المليارات من الدولارات تُضخ في الاقتصاد دون زيادة الدين الظاهر.
المكسب واضح: إذا ارتفع البتكوين مستقبلًا (إلى مليون مثلًا)، تستطيع الحكومة إعادة التقييم وجني سيولة إضافية.
لكن المخاطرة أيضًا واضحة: إذا انهار السعر للنصف، سيضعف ميزان الاحتياطي الفيدرالي ويهتزّ الثقة بالنظام المالي.
الخطة الثالثة: قانون GENIUS
القانون الذي وُقّع في يوليو 2025 يسمح للحكومة بإصدار عملات مستقرة (Stablecoins) مدعومة بالذهب أو البتكوين، لتتداول داخل الاقتصاد كبديل رقمي للدولار.
بهذا، يمكن توسيع المعروض النقدي دون إضافة دين جديد مباشر.
لكنها خطوة محفوفة بالأسئلة: ماذا لو تراجع الذهب أو البتكوين بشكل حاد؟
كيف ستُحافَظ على الثقة بهذه العملات؟
المخاطر الكبرى
هذه الحلول تعتمد على أصول متقلبة: الذهب يصعد ويهبط عبر العقود، والبتكوين أكثر تقلبًا.
أي هبوط كبير في قيمتها قد يترك الاحتياطي الفيدرالي بأصول ضعيفة، ما يضر بسمعة الدولار كعملة احتياط عالمية. والنتيجة المحتملة:
قلة رغبة المستثمرين والدول في إقراض أمريكا.
الحاجة لطباعة المزيد من النقود لسد الفجوات.
تضخم أكبر، وضعف في القوة الشرائية، وربما أزمة ثقة بالنظام المالي برمته.
ماذا يعني ذلك لك كمستثمر؟
وسط هذه التحولات، تبقى القاعدة الذهبية هي التنويع:
جزء في الذهب المادي.
جزء في أصول رقمية كالبـتكوين (بحذر).
أصول ملموسة مثل العقارات المولدة للدخل.
وأسهم في شركات قوية تنتج قيمة حقيقية.
بهذا، تبني ثروة متوازنة قادرة على الصمود أمام أي سيناريو اقتصادي، سواء نجحت خطط إعادة التقييم أو فشلت.
الخلاصة
أمريكا اليوم تُجرّب أدوات غير تقليدية لترويض جبل الديون، من الذهب إلى البتكوين إلى العملات المستقرة. إذا نجحت، قد تعيد رسم مستقبل الاقتصاد العالمي. وإذا فشلت، فقد نكون أمام اختبار قاسٍ لمكانة الدولار.
لكن كأفراد، ما يمكننا فعله هو أن نبقى يقظين، نفهم هذه التطورات، ونبني محافظ استثمارية متنوعة تحمينا من أي مفاجآت.