في السنوات القليلة الماضية، بدأت الصين في فعل شيء لم يحدث من قبل في التاريخ الحديث:
ربط الذهب مباشرة بعملتها.
باختصار، تسعى الصين إلى إعادة بناء آلية عمل النقود نفسها.
هذه القصة، ربما الأكثر إثارة التي ستسمعونها هذا العام، لفتت انتباهي بعد استماعي إلى حلقة يوتيوب عن نفس الموضوع، الذي أذهلني تمامًا. يسميها البعض “تجارة التدهور”، لكنها أكبر بكثير من ذلك.
دعوني أوضح ما يجري.
الصين تشتري الذهب كما لو لم يكن غد
خلال السنوات الأخيرة، أصبح بنك الشعب الصيني أكبر مشترٍ للذهب في العالم، إلى جانب حلفائه. نعم، يشترون الذهب ويبيعون سندات الخزانة الأمريكية، ليضعفوا من مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية.
وفي الوقت نفسه، أنشأت الصين بورصة شنغهاي للذهب، التي أصبحت أكبر سوق فيزيائي للذهب على الإطلاق. لقد افتتحوا مؤخرًا خزنة جديدة في هونغ كونغ، ويبنون ما يُدعى “ممر الذهب”، وهو شبكة من الخزنات عبر دول البريكس، تسمح لتلك الدول التي تمتلك اليوان بتحويله إلى ذهب حقيقي.
هذا يمنح عملة الصين شيئًا فقده الدولار منذ زمن طويل:
الثقة.
فالذهب لا يُجمد، لا يُطبع، أصعب في التلاعب به، ولا يفلس كما يحدث مع السندات أو الدولار.
الذهب من منظور جديد تماما
وفي يوليو 2025، أُعيد تصنيف الذهب رسميًا كأصل من المستوى الأول بموجب بازل 3، مما يعني أنه الآن يُحسب مثل النقد أو السندات في ميزانية البنوك.
والخطوة التالية المحتملة: ترقيته إلى أصل سائل عالي الجودة (HQLA)، مما سيفتح إمكانياته الكاملة، ويسمح باستخدامه في عمليات الرهن والتمويل، التي هي بدورها أساس النظام المالي بأكمله.
الصين تحل تدريجيًا كل المشكلات التي تواجه الدول في استخدام عملتها.
هذه نظرية عن ما سيحدث للعالم: نظام مالي موازٍ يُبنى الآن لمنافسة الدولار. استراتيجية الذهب هذه ستسمح للصين بالإقراض والتجارة والتنمية خارج الدولار وخارج الغرب.
كيف يعمل النظام المالي العالمي؟ وما الذي تغيير؟
قبل الغوص في كيفية إعادة الصين بناء النظام المالي بأكمله، أريد أن أوضح النظرة الشاملة لسبب النظر العالمي إلى بديل أصلاً. ويعود الأمر إلى فكرة الثقة، الثقة التي كانت الدول تضعها في الدولار.
على سبيل المثال، كان حوالي 70% من الاحتياطيات العالمية مخزنة في الدولار، أي في سندات الخزانة الأمريكية، لأنها كانت الأصول الأكثر أمانًا على الأرض.
لكن ذلك تغير في 2022، عندما جمدت الولايات المتحدة نحو 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا الخارجية. بغض النظر عن الرأي السياسي، أظهر ذلك للعالم: إذا كانت احتياطياتك في الدولار، فهي ليست ملكك حقًا. يمكن مصادرتها، تجميدها، إيقافها بنقرة زر.
بدأت الدول تتسائل: “إذا فعلتم ذلك بروسيا النووية، ماذا عنا إذا اختلفنا معكم غدًا؟”
هكذا تسارعت التغييرات بسبب فقدان الثقة في الأصول الورقية. بدأت البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة، بتقليل تعرضها للأصول الأمريكية، تبيع السندات وتشتري الذهب. ببطء أولاً، ثم أسرع.
انظروا إلى هذا الرسم البياني المثير: كمية الذهب لدى الصين. لفترة طويلة، لم تتحرك كثيرًا، تشتري قليلاً، تبيع قليلاً. لكن مع بدء تهديدات الرسوم الجمركية من الرئيس ترامب، انفجر الرسم البياني.
بدأت الصين في مراكمة الذهب علنًا وتخزينه في خزناتها، بأسرع وتيرة في التاريخ الحديث، وبشكل علني مرئي للعالم. لأن الصين يمكنها الشراء سرًا، لكنها لا تفعل، لتبث رسالة: “انظروا إلى ذهبنا، يمكننا الآن الخروج من سندات الولايات المتحدة، والدولار نفسه.”
التغيير الكبير في النظام العالمي يحدث الآن
وإليك الاتجاه على نطاق أوسع: وفقًا للوك غرومان، في أشهر قليلة، سيفوق حصة الذهب في الاحتياطيات سندات الخزانة الأمريكية. وعلى مدى أطول، انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية إلى أدنى مستوياتها في عقود.
رسميًا، يبلغ بنك الشعب الصيني عن 2300 طن من الذهب، لكن الرقم الحقيقي أعلى بكثير. حيث تقدر بلومبرغ وجي بي مورغان ومجلس الذهب العالمي أنه يصل إلى 3100 إلى 5000 طن، بما في ذلك الذهب في البنوك الحكومية والصناديق السيادية غير المعلنة.
إذن، انخفض التملك للدولار، وزاد للذهب.
لكن كان هناك تغيير كبير آخر في يوليو هذا العام: أصبح الذهب أصلًا من المستوى الأول بموجب بازل 3.
ماذا يعني هذا؟
لعقود، كان الذهب أصلًا من المستوى الثالث، أي إذا امتلك بنك مليار دولار من الذهب، يحسب نصف قيمته فقط في ميزانيته، ليبقى الذهب مجرد تخزين لا يُستخدم.
لكن بازل 3 غير ذلك:
الآن يُحسب 100% من قيمته. خطوة كبيرة، لكن لا يزال لا يُقرض ضده أو يُستخدم في الرهون أو التمويل.
وهنا تدخلت الصين
المستوى التالي هو HQLA، أصول سائلة عالية الجودة، آمنة جدًا لاستخدامها كضمان في التمويل.
الآن، هذه الأصول هي سندات الخزانة الأمريكية، أساس كل قرض ورهن في العالم. إذا أردت دولة بناء ميناء أو مصنع أو شبكة كهرباء، تقول للبنك المركزي: “سأودع أصولًا سائلة عالية الجودة، وأقرضوني.” والضمان غالبًا سندات أمريكية، لذا يلعب الدولار دورًا كبيرًا.
تخيلوا إذا انضم الذهب إلى هذه القائمة: سيصبح أداة للاقتراض والإقراض والتمويل دون الدولار. إذا أصبح HQLA، لن تحتاج الدول إلى الدولار لتمويل اقتصاداتها.
عملة بريكس كانت مجرد تمويه، وهذه هي الحقيقة
وهذا يقودنا إلى قمة البريكس في مايو. لسنوات، حاولت الصين إقناع دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، جنوب أفريقيا) باستخدام اليوان،
لكن السؤال كان: “ماذا تدعمه؟” قالت الصين: “اقتصادنا، مصنع العالم، ويمكن تحويل اليوان إلى ذهب.”
فإذا أجابت الدول الأخرى: لكن: “أين الذهب؟
ترد الصين: في الصين
فتكون إجابة الدول الأخرى: لا، رأينا كيف يحدث ذلك مع الولايات المتحدة من قبل.
في القمة الأخيرة، حلت الصين هذه المشكلات بذكاء.
أولاً، الثقة: بنت “ممر الذهب”، شبكة خزنات عبر دول البريكس، مثل بلوكشين بدائي يتحقق منه الدول، متصلة ببورصة شنغهاي. يتتبط كل سبيكة: نقاوتها، رقمها، مالكها. هذا يحل اللامركزية والثقة، فالذهب موزع جغرافيًا، قابل للتحقق والاسترداد.
ثانيًا، التقلب: لاستخدام الذهب كضمان، لا يمكن أن يتأرجح السعر يوميًا. حل: استخدام متوسط متحرك لسعر التسوية، مثل متوسط 200 يوم تداول، لجعله أكثر استقرارًا وأقل تقلبًا.
ما هو نظام التمويل العالمي الجديد
والأكثر إثارة: الصين ستستخدم هذا النظام لتمويل الدول النامية.
خذوا أفريقيا: غنية بالموارد، تنتج ربع إلى ثلث الذهب العالمي.
الآن، يمكن إيداع الذهب في بورصة شنغهاي، ثم تقرض الصين اليوان في مقابله عبر بنك التنمية الجديد (بنك البريكس)، لبناء طرق، مطارات، محطات طاقة.
هكذا تمول الصين التنمية، تبني نفوذًا، وتتجاوز الغرب وصندوق النقد، مستخدمة الذهب كأصل سائل عالي الجودة. هكذا يصبح الذهب HQLA، بغض النظر عن رغبة الغرب: من صخرة لامعة إلى أداة مالية حقيقية.
هذا لم يُعلن رسميًا بعد، لكنه الاتجاه. والولايات المتحدة تعرف ذلك جيدًا.
كيف يؤثر ذلك على سعر الذهب
عمليًا، ماذا عن سعر الذهب؟ الآن، تحتفظ المؤسسات بنحو 20% من احتياطياتها في الذهب أو أصول صلبة.
لكن إرشادات جديدة من بنك أمريكا ترفع هذه النسبة إلى 30%.
مجرد فرق 10% يعني طلبًا جديدًا بـ2 تريليون دولار عبر النظام العالمي.
والذهب لا يُطبع، فهذا قد يدفع سعره إلى ضعف اليوم في 5 سنوات
ليس تنبؤا، ولكنه احتمال ممكن.