تجارب الحياة هي أعظم معلم على الإطلاق. إذ أن ما تتعلمه بالتجربة العملية سيظل راسخا في ذهنك مدى حياتك ويكون له أكبر الأثر عليك فيما بقي من عمرك.
كما أن الاحتكاك بثقافات شعوب مختلفة عن الثقافة التي نشأت عليها تعتبر بوابة كبيرة للتعلم وفهم أمور جديدة في الحياة، من خلال رؤية أناسا آخرين يعالجون القضايا بطرق جديدة لم تطرق ذهنك يوما يوم كنت منغلقا على ثقافتك التي نشأت عليها.
لذلك كان السفر دوما أحد أهم طرق التعلم واكتساب الخبرات وتنمية العقل والثقافة، ولا أدل على ذلك من أن أحد أشهر البرامج التليفزيونية هي برنامج خواطر، الذي يسافر فيه أحمد الشقيري حول العالم وينقل لنا خبرات وثقافات شعوب مختلفة.
التجربة اليابانية
وفي هذا السياق فقد مَنَّ الله علي أن عَمِلتُ فترة من الزمن في اليابان. ذلك الكوكب الآخر الذي يحكي الناس عنه ويتحاكون. وقد كانت نعمة بحق أن أرى هذا الكوكب كيف يعيش ويتفاعل وما سِر ما وصل إليه وانتشر عنه من أنه كوكب آخر يختلف عن كوكبنا.
وقد كنتُ سافرتُ بالفعل إلى الكثير من الدول قبل اليابان وبعدها، لذلك أستطيع أن أجزم أن هذا الكوكب القائم على الجزر اليابانية أمر مختلف بحق. وقد أحببت أن أُدَون بعض الملاحظات التي رأيتها في هذا الكوكب على صورة مقالات متفرقة لينتفع غيري كما انتفعت بهذه التجربة المثيرة.
أول يوم عمل في اليابان
فوكوشيما مارس ٢٠١١
تتوارد الأنباء عن إعصار وزلزال كبير في شمال اليابان، مما ينتج عنه مشكلة مفاعل فوكوشيما.
القاهرة يوليو ٢٠١١
أتلقى اتصالا من أحد شركات التوظيف في يوم عمل حار من أيام الصيف عن فرصة عمل مناسبة لخبرتي ومتاحة في اليابان.
أول رد فعل لي بناء على ما سمعت من أخبار أن اليابان مكان غير آمن حاليا. ما بين الكوارث الطبيعية والأخطار الإشعاعية، فإن الأمر لا يستحق المجازفة.
مرة أخرى تتصل بي شركة توظيف أخرى وتخبرني أن عددا من المهندسين المصريين يعملون هناك بالفعل وأنه لا داعي للقلق، فأوافق على عمل إنترفيو، وكل ما في ذهني أني فقط أريد أن أسمع، وليس لدي نية حقيقة في القبول.
وبالفعل يتم ترتيب المقابلة، وتكون من ألذ المقابلات الوظيفية التي خضتها في حياتي، فقد كان المدير الذي عمل معي المقابلة ودودا يتكلم إنجليزية جيدة، وأخبرني في نهاية المقابلة أن في الفريق بالفعل عددا من المصريين يمكنني أن أسألهم عن أي تفاصيل قد أحتاجها.
في خلال بضعة ساعات كانت قد وصلتني الموافقة مع العرض المالي. وأصبح واضحا لي أن هذا هو الطريق الذي لابد أن أمشي فيه.
وعلى مدار الشهر التالي كنت أنهى أوراق السفر استعدادا للذهاب إلى طوكيو
طوكيو أغسطس ٢٠١١
كان أول يوم عمل لي في طوكيو بعد حوالي شهر من المقابلة الشخصية في القاهرة، ذهبت وأنا متوقع أنني فقط سأرى مديري الجديد وأتعرف على المكان والزملاء ليس إلا.
ذلك لأن الشركة التي كنت أعمل بها (هي هي نفس الشركة التي عملت بها في مصر من قبل) لها إجراءات طويلة نوعاً ما في تسجيل الموظفين الجدد ومن ثَمَّ توفير الأدوات المطلوبة للعمل من لابتوب وبطاقة التعريف وموبيل وغير ذلك.
إذا بي أُفاجأ أن كل شيء كان مُعدَّاً لي قبل أن أصل (طبعا فوجئت لأنني لم أر مثل هذا الإحترام و الإلتزام من قبل). اصطحبني مديري إلى السكرتيرة المسؤولة عن القسم الذي أعمل فيه، وقال لها هذا فلان، قامت السيدة من مكتبها وأدت التحية اليابانية المعروفة بانحناءة مهذبة تدل على الاحترام، وإذا بها بمنتهي العفوية والهدوء تخرج لي حقيبة كانت جاهزة من قبل وتحتوي على كل ما أحتاجه للعمل بل ومكتوب عليها اسمي.
ثم اصطحبتني إلى مكان التصوير لعمل بطاقة التعريف الذي حصلت عليه في اليوم الثاني مباشرة.
عندما حضرت للعمل في إحدى الدول العربية "في نفس الشركة"، كانوا يعلمون بقدومي قبل شهرين (ضعف المدة التي سبقت وصولي لليابان)، ومع ذلك فإن مديري بدأ إجراءات التسجيل واستخراج الأدوات في ثاني يوم عمل لي في الشركة وظللت حوالي إسبوعين ( إسبوعين = 10 أيام عمل = من 80 – إلى 100 ساعة عمل ) أستخدم أدواتي الشخصية حتى لا يتعطل سير العمل وهذا طبعا إنعكس سلباً على مستوى الأداء لأنه ليس كل الإمكانات المطلوبة للعمل متاحة على أدواتي الشخصية.
تغيير النتائج يتطلب تغيير العقلية
هل رأيت كيف أن الشركة هي هي لم تتغير ولم تتغير لوائحها ولا نظامها، ولكن تَغَيُّر الأفراد أو لـنَقُل تَغَيُّر عقلية الأفراد في التعامل مع هذه اللوائح أدي لفارق كبير جدا في الأداء مع ملاحظة أن مديري الياباني لم يخترع الذرة، لكنه فقط قام "بتخطيط الوقت بصورة سليمة".
هذا هو الدرس المُستَفَاد هنا أن حسن تخطيط الوقت واستغلاله يوفر على العمل والدولة والأمة كمية مهولة من الطاقات والساعات المهدرة التي لو استُغِلَت بشكل سليم فإنها ستصنع فارقاً ولا شك.
لذلك قالوا: إذا فشلت في التخطيط، فأنت تخطط للفشل.
If you fail to plan, you are planning to fail.